من سمات شبه الجزيرة العربية ان معين كنوزها التاريخية والجغرافية والطبيعية لا يكاد ينضب وشغف الرحالة والمستكشفين بها لا ينطفئ. فمن اقصى شمالها الى أقصى جنوبها ومن شرقها الى غربها يجد المهتمون على مختلف مشاربهم وميولهم كل ما يبحثون عنه من معالم وآثار وطبيعة و تاريخ.
ولكي ننال قسطا من تلك الكنوز قمنا برحلة دامت 6 ايام من شرقها الى اقصى شمالها الغربي منجزين مسافة 4600 كم ذهابا وايابا للوقوف على واستكشاف اليسير مما تكتنزه هذا الارض الشاسعة على على النحو التالي:-
زيارة واستكشاف وادي الديسة في منطقة تبوك
زيارة واستكشاف وادي دهام في منطقة تبوك
زيارة واستكشاف قرية حقل على خليج العقبة
زيارة واستكشاف قرية مقنا على خليج العقبة
زيارة واستكشاف راس الشيخ حميد على خليج العقبة لمشاهدة حطام احد الطائرات
زيارة استكشاف مغاير نبي الله شعيب و عين نبي الله موسى في مدينة البدع
خط سير الرحلة كان على النحو التالي
ألاحساء/الظهران ثم حفر الباطن ثم عرعر ثم سكاكا ثم تبوك ثم وادي الديسة ثم وادي دهام ثم
حقل ثم البدع ثم مقنا ثم رأس الشيخ حميد ثم ضبا ثم العلا ثم حائل ثم القصيم ثم الرياض ثم العودة للأحساء/الظهران
الرحلة مكونة من ثلاث اشخاص في ثلاث سيارات انطلقت من الاحساء والظهران نهاية يوم الاثنين 9 نوفمبر 2015 ليجتمع المشاركين في موقع التتخييم الاول في حفر الباطن.
صباح يوم الثلاثاء وبعد تناول وجبة الافطار انطلقت المجموعة سالكة طريق الشمال حيث كان هذا اليوم يوم قيادة بأمتياز إذ لم تتوقف حتى بلوغ موقع التخييم الثاني الساعة الثامنة مساء في منطقة تبوك بعد قيادة مسافة 1170 كم متواصلة.
صباح يوم الاربعاء واصلت المجموعة طريقها نحو هدفها الاول وادي الديسة في منطقة تبوك من خلال طريق معبد فوق الجبال وكثير التعرج حيث ينحدر احيانا ويرتفع احيانا اخرى. ويمكن للزائر من خلا هذا الطريق مشاهد جبال منطقة التبوك التي تتميز بأرتفاعها وغرابة اشكالها التي يغلب عليه التفلطح والاستدارة، كما يغلب عليها اللون الاحمر على رغم من وجود العديد من الالوان الاخرى المتمازجة بشكل جذاب ورائع.
عند نهاية الطريق المعبد وبداية الطريق الترابي الذي يأخذك داخل الوادي تستقبلك تلك الجبال الشامخة و الشاهقة في ارتفعها والجذابة بألوانها وغرابة اشكالها وتناثر الاشجار على جوانبها والتي تبهر الناظر بعظمتها باعثتة شعورا يسبح لله موجدها.
يوجد في بطن وادي الديسة كمية لا بأس بها من الاشجار خصوصا اشجار النخيل والاشجار الغريبة التي اتخذ بعضها من الصخور منبتا كما توجد بعض الجداول المائية الجارية المنسابة من فوق الجبال لتجري في بطن الوادي. الطريق في بطن الوادي يتسع ويضيق ويمر احيانا في وسط اعشاب طويلة جدا تغطي السيارة في بعض الاحيان. كما يوجد في بعض المناطق الواسعة نسبيا بعض المزارع الصغيرة وبعض الجمال والماشية التي اتخذ اصحابها من الوادي مصدر حياة ورزق.
يمتد وادي الديسة من الشرق الى الغرب وطول المنطقة الترابية التي تعتبر الجزء الاهم للزوار حوالي 15 كم. مما يجعل وادي الديسة معلما سياحيا ومتنزها طبيعيا هي تلك الجبال الجملية ذات الاشكال الغريبة والالوان الزاهية اضافة الى تلك الاشجار والاعشاب التي تحف جوانبه وترتكز على بعض صخوره راسمة اروع لوحة طبيعية ربانية.
بعد الخروج من وادي الديسة من الطرف الغربي واصلت المجموعة طريقها نحو هدف آخر لا يقل روعة وجمالا وهو وادي دهام.
يمتد وادي دهام من الجنوب بأتجاه الشمال ولمسافة تقارب الـ 100 كم تحفه الجبال المرتفعة من جوانبه وفي وسطه بحيث يضيق ويتسع في بعض المناطق. كما جبال وادي الديسة، الجبال المحيطة بوادي دهام تأخذ الاشكال الغريبة والمفلطحة والوانها متعددة ومتداخلة على الرغم من غلبة اللون الاحمر عليها. كما يوجد في بطن الوادي بعض الاعشاب والشجيرات البرية المتناثرة على ارضية الوادي التي تكسوها الرمال في مناطق كثيرة.
وجود الكثير من الاعشاب والشجيرات في بطن الوادي جعل منه مكان مناسب للرعي وخصوصا الابل كما ان الرعاة ومن استقر بهم المكان في الوادي استغلوا بعض التشكيلات والتجويفات في الجبال لحبس مياه الامطار في المواسم لاستغلاها في اوقات اخرى.
التتشكيلات الصخرية للجبال المحيطة بوادي دهام غاية في الروعة وذات الوان تأسر الابصار كما ان بعض الجبال تعانقها كثبان رملية تمثل اسمى صور التجانس والابداع لخالقها سبحانه. فالزائرين لوادي دهام يمكنهم ان يمضوا أياما على إختلاف مشاربهم وميولهم دون ملل أو كلل. فسحر الوادي يمكنه أن يشبع نهم المصور والكشات والمستكشف والمتأمل والمتعبد والرسام والشاعر وحتى الاعمى والاصم يمكنهما أن يستشعرا روعة وعظمة المكان.
المسار كان سالك في بطن الوادي عدا منطقة واحدة اذ عانق كثبان رملي ضخم جدا طرفي جبلين يفترض ان المسار يمر بينهما. وبما انه لا يمكن بأي حال من الاحوال صعود الكثبان بالسيارة، فقد تقرر البحث عن مسار آخر وذلك بعد نقاش الموضع والرجوع للخرائط من قبل المشاركين. لحسن الحظ قد قابلنا احد السوادانيين يعمل على الاشراف على تعبئة المياه للرعاة من احد الأبار وسؤاله عن افضل طريق يوصلنا للخروج من الوادي. وبالفعل ارشدنا الى طريق قصير وسالك جدا ينتهي بقرية اسمها زيته.
بعد الخروج من وادي دهام والتوقف في قرية زيته وتعبئة البنزين واصلت المجموعة طريقا نحو الهدف التالي – قرية حقل – على خليج العقبة والتي تبعد قرابة الـ 100 كم شمالا.
قرية حقل احد القرى الشهير التابعة لمنطقة تبوك القريبة من الحدود الاردنية على خليج العقبة. تعتبر قرية صغيرة نسبيا ومركز سياحي وهي اقرب نقطة للاراضي الاردنية والفلسطينية والمصرية إذ يمكن مشاهد انوار تلك الدول ليلا وبكل يسر. تتمتع حقل بمياه زرقاء صافية وشواطئ رملية نظيفة وغير مكتضة.
خيمت المجموعة باكرا هذا اليوم فوق الجبال المطلة على شواطئ حقل للتمتع بزرقة المياه والسفن العابرة والجبال المقابلة لمنطقة سيناء وطابا المصريتين اذ يمكن مشاهدتها بكل يسر وسهولة ولحسن الحظ كانت الاجواء اكثر من رائعة وبرودة معتدلة. كان مشهد ساحرا لخليج العقبة من فوق الجبال. وعند حلول الظلام اكتمل جمال المشهد بسماء صافية ونجوم متلألئة في كبد السماء وفي الافق تلوح انوار سيناء وطابا.
صباح اليوم التالي – الخميس – اكملت المجموعة استكشاف سحر وجمال شواطئ حقل الخلابة والاستمتاع مياهها شديد الزرقة واخذ الصور التذكارية وخصوصا لحطام سفينة جنى عليها الزمن لتصبح حطاما بعد ما كانت تمخر عباب البحر في فخر واعتزاز.
بعدها اكملت المجموعة مسارها جنوبا نحو قرية البدع التاريخية التابعة لمنطقة تبوك. تشتهر البدع بوجود ديار مدين قوم نبي الله شعيب الذين ينحتون بيوتهم وقبورهم في الجبال وهذا ماشاهدناه فعلا وتصويره. كما شاهدنا ما يعتقد (غير مؤكد) انه عين نبي الله موسى التي استسقا منها ماء لبنات نبي الله شعيب.
واصلت المجموعة طريقها الساحلي على ما تبقى من خليج العقبة جنوبا نحو قرية مقنا الشهيرة. هذه القرية الواقعة على خليج العقبة والتابعة لمنطقة تبوك تشتهر بمناظر خلابة وشواطئ ساحرة ذات مياه شديد الزرقة والصفاء. كما انها تشتهر بكثرة وتنوع وجمال حياتها البحرية والصخور المرجانية مما يجعلها من افضل المناطق في البحر الاحمر لهواة رياضة الغوص.
بعدها اكملت المجموعة طريقها الساحلي ولمسافة 45 كم تقريبا تجاه نهاية خليج العقبة جنوبا وبالتحديد رأس الشيخ حميد. يقع هذا الامتداد من اليابسة داخل البحر مشكلا بداية خليج العقبة ويوجد به مركز خفر سواحل، واهمية هذا الرأس المسمى رأس الشيخ حميد للزائرين هو لمشاهدة حطام طائرة مدنية قست عليها الاقدار لتتحط على الساحل المقابل لرأس الشيخ حميد لتصبح مزار ومعلما واخذ الصور التذكارية عندها.
منطقة حطام الطائرة تعتبر اخر منطقة يمكن للزوار الوصول اليها جنوبا في رأس الشيخ حميد بحسب خفر السواحل … لذلك عندما توجهت المجموعة جنوبا لتناول وجبة الغداء على الشاطئ استنفر ذلك دورية خفر السواحل للحضور لدينا لتنبيهنا بذلك. لكن كانوا متعاونين معنا عندما اعلمناهم بأننا كشاته وننوي المغادرة بمجرد الانتهاء من الغذاء. ومع ذلك ولسلامة الاجانب في المجموعة اتت دورية اخرى للتأكد من هوياتنا وتسجيل بعض البيانات.
بوصول المجموعة لرأس الشيخ حميد ومشاهدة حطام الطائرة تكون بذلك انهت جميع اهدافها الرئيسية لهذه الرحلة الطويلة ولم يتبقى سوى مشاهدة بعض المنشئات والمدن التي تقع على مسار طريق العودة ومنها منشئة معمل غاز مدين الجاري انشائه لتجميع غاز ضبا. كما ان طريق العودة يمر بمدن ضبا والعلا وحائل والقصيم والرياض ثما العودة للأحساء/الظهارن.
الطريق الجبلي من ضبا الى العلا كان رائعا بكل ماتعنيه الكلمة حيث توجد على جانبيه جبال شامخة ذات الوان متعددة واشكال هندسية باهرة. كما ان الطريق متعرج وبعض من اجزائه يتسلق الجبال حتى ارتفاع 1410 متر. وكلما اقتربنا من العلا تبدأ التشكيلات الجبلية تأخذ اشكال هندسية مختلفة وغريبة. فالجبال المحيطة بالعلا اشكالها مفلطحة او اسطوانية بشكل طولي او كروي والبعض منها كأنه منحوت على شكل حيوانات او رؤوس بشرية.
أما حائل فسر جمالها يكمن في في لون ارضها وجبالها المائل للحمرة الزاهية التي ما تنفك عين الناظر من التمتع بمشاهدتها. فالطريق من العلا الى حائل يمر من خلال بعض الجبال التي تأسرك بروعتها لتجد نفسك وبصورة عفوية تترجل من السيارة لمشاهدتها واخذ الصور لها.
إن رحلة كهذه ولمناطق كتلك التي زرناه واستمتعنا بأستكشافها لجديرة بتكبد عناء القيادة لتلك المسافة البالغة 4600 كم. فما تمكنا من الوصول اليه واستكشافه لهو غيض من فيض كانت ولا تزال شبه الجزيرة العربية تزخر به منذ قرون.
Leave a Reply