مامن حدث أعظم تأثيرا على الصحراء كهطول الامطار، فأهمية الحدث مستمدة من أهمية ذلك العنصر الحيوي الذي قال الله عنه “وجعلنا من الماء كل شيء حي”. فما أن تستكمل مقومات الحفل من تجمع للسحب وعزف لسنفونية الرعد الهادر و إضائات متكررة من البرق الساطع حتى تحين اللحظة الحاسمة لتذرف السماء اغلى ما عندها من دموع الفرح … حينها تكون الصحراء العطشى في قمة الاستعداد لإستقبال تلك اللألئ الغالية التي تمثل اكسير حياتها
لقد كان لصحراء العقير هذه الايام نصيبا في في حفل توزيع اكاسير الحياة، فأستقبلت وبكل شوق زخات من دموع فرح السماء التي اسهمت في اجراء اروع عملية شد للكثبان المترهلة بفعل الجفاف. كما اسهمت ايضا في غسل الاعشاب والشجيرات لتعيد اليها نظارتها وخضرتها المفقودتين
فرحة الابل واصحابها هي النتيجة الطبيعية لهذه الوجبة الدسمة من الامطار. فعلى الجانب النفسى ترى السعادة بادية وبكل وضوح على محيا اصحاب الابل والرعاة عند هطول الامطار كما ان سلوك الابل وحركتها تشعر المراقب بسعادتها وحيويتها. أما على الجانب الاقتصادي والمادي فهطول المطر يعني فرصة اطول للرعي الطبيعي المجاني
يعتبر ميناء العقير احد اهم المعالم الاثرية والتاريخية لمحافظة الاحساء شرق شبه الجزيرة العربية ويقع على الضفة الغربية للخليج العربي. ولإرتباط هذا الميناء بتاريخ الاحساء و تعلق اهل المنطقة به، صدرت الاوامر من الجهات المسؤولة بوضع الميناء على لائحة المعالم الأثرية والسياحية ما إستدعى إعادة ترميمة وإزاحة غبار الزمن عن صفحة ناصعة من تاريخ الاحساء
للوقوف على ما تم إنجازه من أعمال الترميم لهذا الميناء قمنا برحلة سريعة شملت جميع مباني الميناء بما في ذلك بعض القلاع المحيطة التي تعود للعهد التركي والمنطقة البرية المحاذية للميناء والتي لا تقل اهمية من الناحية السياحية لتشكيلاتها الرملية الساحرة التي ابدع الخالق سبحانه في هندستها
للأسف ما تم انجازه من اعمال الترميم للميناء لم يتناسب واهمية هذا المعلم التاريخي، كما ان مستوى النظافة المحيطة بالميناء وعلى الساحل لا تنم عن وعي مرتادي منطقة الميناء سواء للنزهة او صيد السمك مما له بالغ الاثر على جمال المكان
فيما يلي بعض الصور التي من خلالها نسلط الضوء على الميناء وما تم انجازه من ترميم بالاضافة الى المنطقة البرية المحاذية له
يتميز بر العجير الواقع شرق و شمال شرق الاحساء بكثبان رملية مرتفعة نسبيا في بعض المناطق و ذات تشكيلات هندسية رائعة بفعل الرياح الشمالية. كما تكثر بين تلك الكثبان الكثير من المنخفضات التي تمثل سبخات و التي يمثل بعضها واحات إذ يوجد بها عدد لا بأس به من شجر النخيل و بعض الاعشاب البرية.
نسبة الغطاء الاخضر في تلك السبخات يعتمد على معدل الرطوبة فيها كما ان للامطار الموسمية دور اساسي في زيادته و المساعدة في إنبات بعض النباتات الرملية كالطرثوث.
فبعد هطول امطار هذا العام قمنا بكشته بريه يوم الاربعاء 20 فبراير 2013 بهدف التعرف على النباتات البرية التي تنمو في منطقة بر العقير و خصوصا نبات الطرثوث. انطلقنا من الاحساء بعد صلاة الظهر في يوم معتدل البرودة و سماء صافية و مما شجع على ذلك هطول زخات من المطر في الليلة السابقة ما اضفى متعة و جمالا اكثر للكشته. كانت الوجهة الى احد الواحات المعروفة لدينا بكثافة الغطاء الاخضر فيها إضافة الى وفرة نبات الطرثوث. من المشاهدات الممتعة في الطريق البري الواصل للواحة ان الكثير من المسطحات الرملية كانت تكسوها حلة خضراء من الاعشاب البرية ما يجعلها تبدو و كأنها رياض و خباري الصمان، فكل ما تحتاجه تلك المسطحات الخضراء لتنمو و تتكاثر اكثر هو زخات اخرى من بركات السماء.
كما توقعنا، بدت الواحة عند وصولنا اليها كحديقة غناء يكاد إخضرارها يخطف الابصار من بين صفرة الكثبان الرملية المروية حديثا بما جادة به السماء. الكثير من الاعشاب البرية الخضراء المتناثرة بين جنبات الكثبان الرملية و المغسولة حديثا بماء المطر اذ كان ذلك واضحا على شجر النخيل لشدة اخضراره. كما و جدنا الكثير من نبات الطرثوث بمختلف الاحجام تطل برؤسها من بين الرمال في شموخ المنتصر الواصل لنهاية المشوار.
لكن ما هو نبات الطرثوث؟ الطرثوث نبات صحراوي رملي مستدق طويل كالفطر و له اشكال غريبة ولون احمر او بنفسجي و مليئ بالعصارة المائية و ليس له اوراق. كما ان الطرثوث نبات حولي قد يصل طوله الى 70 سم وهو نبات متطفل يستمد غذائه من جذور النباتات البرية المحيطة به.
يقول ابو حنيفة “الطرثوث ينقض الارض تنقيضاً ولا يوجد احلى من سوقه و منه نوعان حلو وهو الاحمر و مر وهو الابيض” تؤكل سيقانه نيئة و احيانا يشوى مثل الذرة واحياناً اخرى يطبخ مع الاقط فيكسبه اللون الزهري و نكهة خاصة. و كانت الطراثيث تجلب إلى المدن ولها سوقها الخاص بها ومازالت تباع في مواسمها في الجزيرة العربية.
من الاستخدامات الشائعة للطرثوث استعماله كصبغ احمر يخلط مع بعض المأكولات او في دباغة الجلود لأعطائها اللون الاحمر.
من الخواص العلاجية لنبات الطرثوث:
تساعد خلاصة نبات الطرثوث على تخفيف ضغط الدم المرتفع.
يعالج نبات الطرثوث مرض احتباس الصفراء.
يعمل نبات الطرثوث كقابض للاوعية الدموية حيث يوقف النزيف.
يحسن نبات الطرثوث من اداء الوظائف الجنسية ويزيد من فحولة الرجال فهو منشط عام.
يفيد نبات الطرثوث في تخفيف التهابات المعدة وعلاج الامساك.
يحسن نبات الطرثوث من اداء وظائف الكبد ويعالج الاسهال الدموي.
من المناطق البرية المشهورة في الاحساء التي تكثر بها السفوح و الكثبان الرميلة المتوسطة الارتفاع تلك الواقعة غرب و جنوب غرب ميناء العجير التي يطلق عليها بر العجير نسبة لميناء العجير الشهير. توجد بتلك المنطقة تشكيلات رائعة من الكثبان الرملية المتداخلة و المرتفعة نسبيا مما يجعلها محط انظار هواة الرحلات البرية و السفاري ليس فقط لأهل الاحساء بل حتى لمن يعيشون خارجها.
ما يميز بر العجير عن غيره من المناطق البرية وجود الكثير من الواحات التي تكسوها بعض الاعشاب و الاشجار البرية و من ضمنها النخيل. سبب وجود النخيل بين تلك الكثبان الرملية يرجع كما ينقل أن القوافل التي كانت تنقل البضائع من ميناء العجير الى داخل المدن سابقا كانت تتوقف للراحة في تلك الاماكن و كانت ترمي بقايا الطعام و من ضمنها نوى التمر على الارض فنبتت تلك النخيل و ساعد في ذلك رطوبة الارض لقرب المنطقة من البحر نسبيا. كما تكثر في بر العجير عزب البدو التي تعتاش على تربية الابل فترى قطعان الابل تسرح بين الكثبان مشكلتة اجمل صورة تعايش بين الانسان و الابل و البر.
تلك المزايا إضافة الى قرب المنطقة و سرعة الوصول اليها مقارنة بمناطق أخرى كالربع الخالي كانت الدافع الرئيس لهواة البر للقيام برحلات سفاري و تخييم من حين لأخر كالتي نحن بصدد الحديث عنها.
فبتاريخ 10 يناير 2013 قامت مجموعة من الظهران مكونة من ثلاث سيارات إضافة الى سيارة واحدة من الاحساء القيام برحلة سفاري و تخييم في بر العجير و ذلك بحسب برنامج معد من قبل قائد الرحلة الذي تضمن خط سير الرحلة و نقطة الانطلاق من الظهران و نقطة لقاء السيارة القادمة من الاحساء و الاماكن المراد التوقف عندها و انتهائا بموقع التخييم. مشاركة السيارة القادمة من الاحساء كانت تقتصر على السفاري فقط دون التخييم لأرتباطات خاصة.
ما يؤسف له أن الاجواء كانت غير مؤاتية في هذا اليوم بسبب سرعة الرياح التي أخذت بالازدياد كلما تقدم النهار. فبعد لقاء مجموعة الظهران بالسيارة القادمة من الاحساء على خط القرية-العقير عند الساعة 10:30 صباحا انطلق الجميع بأتجاه أحد المواقع الواقعة ضمن مخطط الرحلة و هو بقايا أحد القلاع التركية القديمة. كانت سرعة الرياح حينها معتدلة بحيث استمتع الجميع بقيادة ممتعة صعودا و نزولا فوق الكثبان الرملية و لمدة ساعة حتى وصولنا للقلعة التي بادرنا فيها قائد الرحلة بأول تغريزة، لكن لم تكن بتلك الصعوبة و لله الحمد.
عند الساعة 12:00 ظهرا و أثناء تواجدنا في القلعة للتصوير أخذت سرعة الرياح في الازدياد مثيرة للرمال مما عجل في مغادرة المجموعة بأتجاه موقع التخييم الذي يبعد قرابة الاربعين كم الى الجنوب من القلعة. ربما لحسن حظ المشارك من الاحساء بأنه لم يكن ينوي التخييم من الاساس فسرعة الرياح و العج لا يساعدان على ذلك اصلا. في الطريق الى موقع التخييم تولى قيادة المجموعة المشارك من الاحساء للمرور بعزبة أحد البدوان التي يعرفها لأعطاء المشاركين فرصة التصوير و الاستمتاع بمشاهدة الابل.
بعد قضاء قرابة 45 دقيقة في العزبة تولى القيادة قائد الرحلة بأتجاه موقع التخييم لكن سرعة الرياح اشتدة لدرجة ان الرؤية اصبحت متدنية بسبب العج. فبعد قيادة ما يقارب النصف ساعة توقفت المجموعة للصلاة و الغداء و أعطاء فرصة ولو ضئيلة للأبناء المشاركين للأستمتاع بالتزحلق على الرمال.
بعد ساعة قررت المجموعة و تحت وطأة الرياح الشديدة و لسع الرمال تغيير مسار الرحلة من الجنوب الى الشرق نحو شاطئ العقير لعل القرب من البحر يخفف من حركة الرمال و أن لم تخف سرعة الرياح. أما بالنسبة للمشارك من الاحساء فكانت تلك لحظة الانفصال عن باقي المجموعة و الاتجاه غربا لينهي رحلة سفاري كانت من الممكن أن تكون أكثر متعة لولا هبوب تلك الرياح الشمالية بهذه السرعة، لكن الخير في ما وقع و الحمد لله على أي حال.
الموقع المتميز و الطبيعة الجغرافية لواحة الاحساء تجعلها بؤرة جذب سياحي و ترفيهي للكثير حيث يوجد بها العديد من المواقع التي تستحق الزيارة و الاستكشاف و بحيرة الاصفر و الكثبان الرملية المحيطة بالواحة خير مثال. ففي 29 نوفمبر 2012 قامت جماعة الظهران للرحلات بتنسيق رحلة إستكشافية لبحيرة الاصفر و الكثبان الرملية المحيطة بها و المبيت لليلة واحدة بين الكثبان.
خمس سيارات شاركوا في هذه الرحلة من جنسيات مختلفة ، المان و اسبان و استراليين و كنديين من شركات مختلفة اضافة لأرامكو و تم لقاء الجميع الساعة 15:30 عند بحيرة الاصفر. لحسن الحظ الاجواء كانت اكثر من رائعة حيث السماء كانت ملبدة بالغيوم و الاجواء باردة ما اكسب الرحلة متعة اكثر. قضت المجموعة ما يقارب الساعة فوق الكثيب الرملي المطل على البحيرة أمضت جلها في تأمل و استمتاع بمشاهدة البحيرة و ما يحيط بها من نباتات مائية و اخذ الصور التذكارية. حينها غادرت المجموعة بأتجاه الكثبان الرملية الواقعة شمال و شرق البحيرة و التي تعتبر جزء من رمال منطقة العجير ذات الارتفاعات المتوسطة.
لم يمضي وقت طويل بعد مغادرة البحيرة و التجوال لبعض الوقت فوق و بين الكثبان الرملية حتى تقرر تحديد موقع للتخييم بين تلك الكثبان قبل حلول الظلام. انخفاض درجة الحرارة وهبوب رياح متوسطة تلك الليلة جعل للنار و الجلوس حولها طعم مختلف خصوصا عندما يصحب ذلك تبادل للأحاديث الشيقة.
بعد أن استيقض الجميع صباحا و تناول الافطار انطلقت المجموعة لأستكشاف الكثبان الرملية الواقعة شمال و شرق بحيرة الاصفر و ممارست متعة القيادة فوق الكثبان الرملية التي تتطلب الكثير من الخبرة و الحذر. نعومة الرمال و تشكيلاتها اضافة الى كثرة السبخات بين الكثبان التي تعتبر مصيدة للسيارة من أهم المحاذير التي تواجه مغامروا تلك المنطقة. استمرت مغامرة القيادة على الكثبان الرملية حتى الساعة الثانية عشرة ظهرا حيث شارفت الرحلة على الانتهاء و سلكت المجموعة طريق العودة منهين وقت حافل بالاستكشاف و المغامرة دون أي مشاكل سوى القليل من التغريزات للمستكشفين الجدد و هذا بحد ذاته أمر طبيعي.